القائمة الرئيسية

الصفحات

الكتب و الشغف والبيبليوفيليا والــبيبلومانيا والــتسوندوكو.



الكتب شغف وبيبلوفيليا وبيبلومانيا وتسوندوكو
الكتب و الشغف والبيبليوفيليا والــبيبلومانيا والــتسوندوكو.

مقدمة:

يحمل شهر يناير من كل عام، ببرده القارس وشمسه الشحيحة بحرا من الذكريات لكل من ارتبط بمعرض الكتاب، والشغف بالكتب، فدائما أستدعي في هذا التوقيت من كل عام ذكريات عارمة وشجية، وقت كنت لا أحمل للدنيا هما ولا ألقي لها بالا، أتفرد بقضاء الوقت مع كتاب يشدني أو رواية تأسرني وتأخذني من الدنيا ومافيها. 

الكتب و الشغف والبيبليوفيليا والــبيبلومانيا والــتسوندوكو.

كان أهلي وأصدقائي يعلمون تعلقي بالكتب منذ صغري وشغفي بها أعيش بينها، أتأملها، أداعب أوراقها، أحل عنها ثياب العذار، وأكشف معها ستر الغائبين، وأخلص في ثناياها إلى شهقات المحبين، ويتعاملون معي على أنني مجنون على الحقيقة لا المجاز، حينما أنفق جل ما أملك من مال على الكتب التي أشتريها كل عام من معرض الكتاب. وسبب ذلك كله هو الشغف بالكتاب.

صحبة الكتب:

صحبة الكتب متعة وسلوى، يقول ابن الجوزي متحدثا عن الإمام أبي العلاء الهمذاني الحافظ:

 بلغني انه رُئي في المنام في مدينة جميع جدرانها من الكتب، وحوله كتب لاتحد، وهو مشتغل بمطالعتها، فقيل له: ما هذه الكتب؟ قال: سألت ربي أن يشغلني بما كنت أشتغل به في الدنيا فأعطاني.

عاشق الكتب الأول:

الجاحظ هو عاشق الكتب الأول، كان لا يقع في يده كتاب ما، إلا قرأة، وقد كان فقيرا معدما لا يملك المال لشراء الكتب، فكان يعمل في النهار ويحرس دكاكين الوراقين (المكتبات) ليلا، فيقرأ ما يستطيع قرأته، وقيل أن القراءة استغرقته حتي نسى ما لا ينسى فقد روي عنه أـنه قال: نسيت كنيتي ثلاثة أيام أتيت أهلي فقلت لهم: بم أٌكنًى؟، قالوا: بأبي عثمان! 

وقد ظل الجاحظ ملازما للكتب يقرأ ولا يشبع منها حتى أواخر عمره، حين تسببت في مقتله، ففي أواخر عمره أصيب بالشلل وقد جاوز التسعين، وفي أحد الأيام حاول أن يتناول أحد الكتب فسقطت عليه مجلدات من الكتب فقتلته، ومات والكتاب على صدره فكان بحق (دفين الكتب).

الشغف والبيبليوفيليا والببلومانيا والتسوندوكو:

مصطلحات تبدوا غامضة عند سماعها، قد تبدوا لأول وهلة أسماء أمراض نادرة، أو أسماء ألهه إغريقية، تحتاج إلى توضيح وإزالة الغموض حولها.

الشغف:

الشغف بالكتب وعشقها وحب شراؤها وتملكها أمور عادية يتصف بها بعض الأشخاص من عشاق القراءة،وأن اقتناء الكتب شهوة جميلة، وما ثمة إحساس أجمل من العودة إلى البيت ظافرًا بكتب ثمينة المحتوى لتقضي الليالي المتعاقبة تقرأ في نهم ما اشتريت وتتأمل مكتبتك وهي تحوي ما اقتنيت لتقرأ منه وتتعلم، وهذا الشعور الجميل قديم فقد روي عن إبراهيم السندي وهو أحد علماء الحديث قوله: "سخاء النفس بالإنفاق على الكتب دليل على تعظيم العلم، وتعظيم العلم دليل على شرف النفس، ومثل هذا الشعور أشار إليه محمود درويش في مقطوعته "رسالة من المنفى".

سمعت يومًا والدي يقول : سيصبحون كلهم معلمين…

سمعته يقول: "أجوع حتى أشتري لهم كتاب"

ولكن كم مرة اشترينا كتبا ولم نقرأها، وتتراكم الكتب وكلما نظرت إليها يتملكك أحساس وحزن غريبان، لأنك لم تستطع قرأتها ومع ذلك لا يتوقف شغف تملك الكتب وحيازتها وهذا سلوك طبيعي يدركه محب الكتب والقراءة ولكن قد يتحول هذا السلوك الجميل الى أمرا مزعجا يسبب الضرر لصاحبه ومن حوله من الأهل والأصدقاء.

البيبليوفيليا(Bibliofilia):

تاريخيا كان مصطلح البيبليوفيليا يطلق على جامعين الكتب، ففي عصر التنوير مثلا كان الحصول على الكتب ليس بالأمر السهل، لذلك كان جامعين الكتب يحضون بنظرة رقي خاصة في المجتمع، أما وبعد ما صار اقتناء الكتب أمرا متاحا للجميع تغير معنى المصطلح، فالشخص الببيلوفيلي في هذا الوقت هو المحب للقراءة، المفرط في حب القراءة واقتناء الكتب، هو الشخص الذي يمتلك شغف وشراهة التنقل بين صفحات الكتب، هو الشخص الذي يقتني ويقتني ثم يقرأ كل ما يقتنيه. ويُرجع بعض عُلماء النفس أن (الفضول) هو السبب الرئيسي خلف هذا النهم والإفراط. وعلمياً لا يعتبر البيبليوفيليا مرض نفسي.

البيبلومانيا (Bibliomania):

ولكن هناك حالات يتحول هذا الشغف بالكتاب إلى نوع من الولع والجنون والهوس بامتلاك الكتب، وقد تردد هذا المصطلح قبل نحو قرنين ليشير إلى الهوس بجمع الكتب بعدد يكون من المؤكد والمستحيل أن يستطيع قراءتها، إنها الرغبة في باكتناز أكوام لانهاية لها من الكتب بصورة قد تؤثر في صحة الفرد وعلاقاته الشخصية، إذ تطغي تلك الرغبة في شراء الكتب وتخزينها على كل رغبة أخرى.

يقول إدوارد نيوتن: 

حتى عندما تكون القراءة مستحيلة، فإن الاستحواذ على الكتب يخلق حالة من النشوة.

"إن مصطلح (Biblion) هو مصطلح اغريقي ويعني كتاب، أما (mania) فتعني جنون، لذا فن بيبليومانيا تعني جنون الكتب ن وتم العثور على اول استخدام لهذه الكلمة ف يوميات من عام 1734 كتبها جامع الكتب توماس هيرن، وهناك ذكر اخر لبيبليومانيا في رسالة لورد تشيسترفيلد لابنه " احذر البيبلومانيا وأخيرا في عام 1809 نشر توماس ديبدين كتابا بعنوان (Bibliomania) .

توماس ديبدين Bibliomania

وعرف هذا الهوس بأنه داء العباقرة أو مرض المثقفين، على أنه مرض نفسي يصنف من أنواع الوسواس القهري غير معترف به على انه اضطراب نفسي من قبل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.

تبدأ أعراضه بشكل غير ملحوظ في سن صغيرة، حيث يمتلئ المريض بالبهجة والسعادة لمجرد رؤية الكتب ثم تتفاقم هذه السعادة في جمعه الكثير منها. وتعد "الببلومانيا" حالة متطرفة من حُب الكتب وجمعها، تطلق على من لديه مكتبة كبيرة تفيض بالكتب.

والذي يشعر بالنهم الزائد والمستمر لامتلاكها، ولا يُعقه شيء لاقتناء أي كتاب يراه، ولا يشترط المهووس نوعاً مُحبباً من الكتب، إنما يود الامتلاك تحت ذريعة أنه يُمكن أن يحتاجه في المستقبل، فهو لا يحتمل رؤية كتاب ليس ملكًا له، إنه يعشق شكلها ورائحتها وحتى صوتها، ويخاف عليها خوفاً شديداً.

والمصابون بالببلومانيا يبالغون في الحفاظ على الكتاب من الماء والنار ومن عبث الأطفال. وقد يدفعه هذا المرض بتجميع عدة نُسخ من نفس الكتاب. وفي بعض الأحيان يبحث المصاب بهذا الهوس عن بعض الأمور الغريبة، فمثلا تراه يستميت للحصول على النسخة الأولى من كتاب معين وبثمن باهظ جداً، أو تراه يبحث عن مجموعة مؤلفات لكاتب معين دون الاهتمام بجمالية قلم المؤلف.

ويمكن أن نميز الشخص الببلوماني بأنه لا يملك الكثير من الأصدقاء، وليست له علاقات اجتماعية وهو منطو على نفسه، ويرتدي نظارة طبية ويصاب بالصداع المزمن، لأنه ينفق كل أمواله على الكتب فهو ليس غنيا، وهو يحاول إقناع نفسه أنه عند حاجته للأموال سيبيع الفائض من كتبه، لكنه يرفض حتى إعارة أي شخص كتاباً من الموجودة لديه، مهما كان قريبا منه لأنه لا يأتمن أحداً على كتبه.

ومريض هوس الكتاب ضعيف للغاية في التواريخ، فتجده على سبيل المثال لا يتذكر تاريخ زواجه أو عيد ميلاد ابنه، وعلى الرغم من ذلك فهو يتذكر بشكل جيد تاريخ وظروف كل كتاب قام بشرائه

ويعتبر تشخيص هذا المرض من الأمور الصعبة، لأن المصاب به لا يشعر بأي قلق، بل هو إنسان مسرور دائماً، خاصة عندما يحصل على كتاب نادر، وأول حالة من الببلومانيا تم تشخيصها كانت في عام 1866 على يد طبيب بريطاني.

ومن أشهر من عانى من هذا المرض، الشاعر اليوناني "يوريبيديز" في القرن الخامس قبل الميلاد، وأيضاً الشاعر العالمي "بوريس باسترناك"، و"ابن الملقّن"، الذي أصيب بالجنون عندما فقد كتبه، أما "ستيفن بلومبرج" فهو من أشهر الببلومانيين، حيث قام بسرقة كتب تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار.

وممن عانوا منه السير توماس فيليبس الذي وصل عدد الكتب والمخطوطات لديه ما يقارب 160 ألف كتاب ومخطوط، وبيعت في مزاد بعد وفاته استمر حوالي 100 سنة.

ومن أشهر الحوادث في هذا المجال، المواطن الأمريكي ستيفن بلومبرج الذي نجح في سرقة 24 ألف كتاب وكانت قيمتها تقدر بحوالي 5 ملايين دولار، وبعد الحكم عليه بعقوبة السجن 42 عاما، قدم محاميه ما يثبت أنه يعاني سلوكاً قهرياً دفعه إلى ذلك السلوك، وهو ما يعزز ولعه بالكتب، فتم تخفيف الحكم لعامين مع إلزامه برد الكتب التي استولى عليها.

تسوندوكو(Tsundoku):

أما في الجانب الشرقي من العالم، فقد ظهرت ثقافة لها درجة من الشبه مع الببلومانيا، ففي عام 1879كلمة تسوندوكو(Tsundoku) لأول مرة في اليابان كمزحة عن مدرس يتملك الكثير من الكتب ولكنه لا يقرأها، وهي من مقطعين:

 "Doku" تعني "قراءة"، وكلمة "Tsun" أي "مكدس"، وتعني "تسوندوكو" تكديس عدد هائل من الكتب لقراءتها لاحقا، وهي تختلف في معناها عن الببلومانيا في أن مهاويس التسوندوكو لديهم نية بالفعل لقراءة الكتب.

وعلى الرغم أيضاً، من وجود تشابه كبير في المعنى بين مصطلحي "بيبليومانيا" و"تسوندوكو"، هناك اختلاف أساسي بينهما، إذ بينما تشير "البيبليومانيا" إلى نيّة اقتناء مجموعة كبيرة من الكتب، تنطوي "تسوندوكو" على نيّة قراءة الكتب، وبالتالي تتجمع وتتكدَّس بشكل عرضي في نهاية المطاف.

رأي علم النفس:

والحمد لله:أن علماء النفس يرون أن هوس الكتاب لايعتبر مرضا نفسيا أو عقليا، حيث إن معظم المصابين به، يتمتعون بالكفاءة العقلية، وتندرج هذه الحالة في الوسواس القهري، وهناك عدد من المشاهير أصيبوا بهذا المرض الذي اعتبره البعض داء العباقرة والمبدعين. 

فاللهم اجعلنا من أصحاب الــ " تسوندوكو و البيبليوفيليا " ولا تجعلنا من أصحاب الــ " ببلومانيا"


تعليقات

التنقل السريع